تُعتبر رياضة الغولف، التي ارتبطت تقليديًا بالمناظر الطبيعية الخضراء في الغرب، تتزايد شعبيتها بسرعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، وهي منطقة تُعرف غالبًا بمناظرها الصحراوية وتراثها الثقافي الغني. على مدار العقدين الماضيين، تطورت رياضة الغولف من هواية محدودة إلى عنصر رئيسي في صناعة السياحة الرياضية المتنامية في المنطقة. ويعود هذا التحول إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك النمو الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، والمبادرات الحكومية الاستراتيجية التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد.
آفاق جديدة لرياضة الغولف
لسنوات عديدة، كانت رياضة الغولف تُعتبر رياضة نخبوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويستمتع بها أساسًا المغتربون. ومع ذلك، ومع النمو الاقتصادي في دول مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية والمغرب، بدأت الغولف تجذب مشاركة محلية. وقد كانت إضافة ملاعب الغولف ذات المستوى العالمي، التي صممها بعض من أشهر المهندسين المعماريين في الرياضة، بمثابة المحفز الرئيسي لهذا التحول. لعبت ملاعب أيقونية مثل نادي الإمارات للغولف في دبي ونادي الغولف الملكي دار السلام في المغرب دورًا كبيرًا في وضع المنطقة كوجهة رئيسية لرياضة الغولف.
وقد ساهمت البطولات العالمية المعترف بها في تسريع شهرة الرياضة. إذ جذب أحداث بارزة مثل بطولة دي بي وورلد تور في دبي وبطولة السعودية الدولية اهتمامًا كبيرًا، مما أسفر عن جذب لاعبين عالميين بارزين وزيادة اهتمام المحليين. ففي عام 2022 وحده، اجتذبت بطولة دي بي وورلد تور أكثر من 65,000 متفرج، مما يعكس الجاذبية المتزايدة لهذه الرياضة. تسلط هذه الفعاليات الضوء على قدرة المنطقة على استضافة مسابقات رفيعة المستوى وتساعد في إلهام جيل جديد من لاعبي الغولف المحليين.
الدعم الحكومي
يرجع النمو السريع لرياضة الغولف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الدعم الحكومي، خاصة في السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد خصصت رؤية السعودية 2030، وهي خطة استراتيجية طويلة الأمد لتقليل اعتماد البلاد على النفط وتنويع اقتصادها، السياحة الرياضية، بما في ذلك الغولف، كقطاع رئيسي للتطوير. من خلال مبادرات مثل “غولف السعودية”، تستثمر المملكة بشكل كبير في بنية الغولف التحتية، بما في ذلك مشاريع ضخمة مثل مشروع البحر الأحمر، الذي سيضم منتجعات غولف فاخرة ويجذب السياح الدوليين.
من جانبها، ركزت الإمارات على الغولف كجزء من استراتيجيتها السياحية الشاملة. وقد أصبحت دبي، على وجه الخصوص، مركزًا عالميًا للغولف، حيث تضم بعضًا من أرقى الملاعب في العالم. في عام 2023، صنفت ملاعب الغولف في دبي ضمن أفضل 50 ملعبًا في العالم، بتصاميم فريدة تدمج المناظر الصحراوية للمنطقة. في عام 2021، أسهمت سياحة الغولف في دبي بمبلغ يقدر بنحو 500 مليون دولار في الاقتصاد المحلي، ويواصل هذا الرقم في الزيادة.
سياحة الغولف: صناعة مزدهرة
أصبحت سياحة الغولف من العوامل الرئيسية التي تعزز نمو الرياضة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بفضل طقسها المشمس طوال العام، ومنتجعاتها الفاخرة، ومرافقها الحديثة، أصبحت المنطقة وجهة مفضلة لعشاق الغولف. على وجه الخصوص، برزت دبي وأبوظبي ومراكش كوجهات رئيسية تقدم مزيجًا فريدًا من ملاعب الغولف ذات المستوى العالمي والضيافة الراقية.
وفقًا لتقرير من شركة كي بي إم جي، فإن سياحة الغولف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنمو بمعدل سنوي يتراوح بين 5-6%، حيث تجذب الإمارات وحدها أكثر من 20,000 سائح غولف سنويًا. وقد ساهم ذلك في توسيع صناعة الضيافة في المنطقة، مع استفادة الفنادق والمنتجعات وأكاديميات الغولف من زيادة شعبية هذه الرياضة. وبحلول عام 2025، يتوقع الخبراء أن تصل قيمة سياحة الغولف في المنطقة إلى أكثر من مليار دولار، مع سعي المزيد من السياح الدوليين للحصول على تجارب عالية الجودة.
المواهب المحلية والمبادرات الأساسية
بينما كان النمو الأول لرياضة الغولف في المنطقة مدفوعًا أساسًا بالمغتربين والسياح، هناك الآن جهد متواصل لتنمية المواهب المحلية. حيث تستثمر الاتحادات الوطنية للغولف، مثل اتحاد الإمارات للغولف وغولف السعودية، بشكل فعال في برامج أساسية تهدف إلى تقديم الغولف للأجيال الشابة.
بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها. فالأكاديميات الرياضية في المنطقة تشهد زيادة في عدد اللاعبين المحليين الشبان. ففي السعودية، على سبيل المثال، ارتفع عدد اللاعبين المسجلين بنسبة 30% بين عامي 2019 و2023. ويعزز من هذا الاتجاه ظهور أبطال محليين في رياضة الغولف، مثل عثمان المولّى، أول لاعب محترف سعودي. تهدف برامج مثل “مبادرة مدارس الغولف” في الإمارات إلى جعل الغولف أكثر وصولًا للشباب، مع التركيز على تنشئة جيل جديد من لاعبي الغولف.
التحديات واهتمامات الاستدامة
على الرغم من شعبيتها المتزايدة، تواجه رياضة الغولف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالاستدامة. فندرة المياه تُعد قضية ملحة في العديد من المناطق، ويتطلب الحفاظ على المناظر الطبيعية الخضراء في ملاعب الغولف موارد مائية كبيرة. يستهلك ملعب الغولف التقليدي المكون من 18 حفرة بين 500,000 و1 مليون جالون من المياه أسبوعيًا خلال الموسم ذروته، وهو ما يُعتبر مصدر قلق كبير في بيئات جافة.
لمعالجة هذه التحديات، يعتمد مطورو ملاعب الغولف في المنطقة بشكل متزايد على تقنيات مبتكرة لتقليل استهلاك المياه. تستخدم العديد من الملاعب في دبي والسعودية الآن المياه المعالجة للري، وأصبحت أنواع العشب المقاومة للجفاف أكثر شيوعًا. هذه الجهود هي جزء من حركة أوسع نحو الاستدامة تهدف إلى موازنة نمو الرياضة مع المسؤولية البيئية.
مستقبل واعد
يعكس صعود رياضة الغولف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تطور الثقافة الرياضية في المنطقة وطموحها في أن تصبح مركزًا عالميًا للسياحة والترفيه. مع استثمار الحكومات بشكل كبير في البنية التحتية، وجذب البطولات الدولية للاهتمام العالمي، والمبادرات الأساسية التي تشجع المشاركة المحلية، يبدو أن مستقبل الغولف في المنطقة مشرق.
ومع انضمام المزيد من الناس إلى هذه الرياضة واستمرار المنطقة في استضافة أحداث غولف بارزة، أصبح من الواضح أن الغولف لم يعد مجرد هواية غربية بل أصبح رياضة عالمية تتمتع بتواجد قوي ومتزايد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. مع التوقعات بأن سوق الغولف في المنطقة قد ينمو بنسبة 15% خلال العقد المقبل، فإن صعود المنطقة كوجهة للغولف في طريقه للاستمرار.